يعتبر هذا الكتاب إضافة مهمة في هذا التوقيت من الكارثة البشرية والمناخية. وميلر صحفي يتمتع بحساسية ورهافة إحساس الروائي إزاء التجربة الإنسانية. تشمل تحرياته مقابلات ووصف للطيف العريض من البشر الذين يشكلون جزءًا من المجمع الحدودي الأمني والمساعدين العسكريين ومصنعي السلاح وبالطبع اللاجئين والأفراد ضحايا المأساة التي تفرضها الحدود.
يمتاز كتاب ميلر بالبحث الدقيق ضمن الجذور التاريخية للحدود والمزاج الراهن للتوسع السياسي والعسكري والتبدلات الطارئة على حدود الدول وبزوغ النخبة العالمية المهولة القوة.
ويشير إلى الأدبيات المتنوعة من التخصصات ذات الصلة ويوجه القارئ للأعمال الراهنة الأخرى بما في ذلك أبحاث الأنثروبولوجي الإسرائيلي جيف هالبر عن التكنولوجيا الأمنية والرقابية وأعمال ريس جونز عن الحدود العنيفة وإسهامات جوزيف كارنز القانونية نحو الحدود المفتوحة واروندهاتي روي وخوان غونزاليس وغيرهم.
يتحدث ميلر بكثير من التفصيل عن أمور يتعين على الجمهور معرفتها على أوسع نطاق: الحدود المعسكرة والتأثيرات المناخية التي دفعت للهجرة والنظام السياسي والاقتصادي الذي يسلب غالبية السكان حيواتهم عبر مصادرة الأراضي وأليات السوق المتنوعة.
ويوثق "الغربلة المتطرفة" وتحول الحدود بشكل متزايد إلى حدود "افتراضية" حيث تصنف الخوارزميات وتفرز الأفراد وفق عرقهم وطبقتهم وانتماءاتهم السياسية وتسمح "بانتقاء" "الطبقات" المقبولة لعبور الحدود. يحدث الاختيار في مناطق شديدة البعد عن الحدود الفعلية حيث تسمح التكنولوجيا بمراقبة جماعية عالمية للبشر.
يسمح للنخبة والمال بالمرور بسهولة ويسر بينما تحصر طبقات كاملة من البشر ضمن ظروف حياتية لا تصلح للعيش. يطلق على القطار الذي يحمل البشر ويعبر الحدود الكولومبية الوحش وقطار المختفين.
يبدأ كتاب إمبراطورية الحدود في قاعدة عسكرية على حدود كولومبيا وهندوراس وفي العراق حيث تقوم القوات الخاصة لحرس الحدود الأمريكي والوحدة التكتيكية بإجراء تدريباتها وعملياتها. ويستشهد بجملة من تقرير لجنة 11 أيلول الأمريكية: "الوطن الأمريكي هو الكوكب برمته" ومن الجنرال جون كيلي من وزارة الأمن القومي والقيادة الجنوبية "أعتقد أن الدفاع عن الحد الجنوبي الغربي يبدأ من مبعدة 2500 ميل جنوباً في البيرو".
أصدر مجلس الأمن في الأمم المتحدة عام 2014 القرار رقم 2178 الذي يدعو الدول الأعضاء لتنصيب أنظمة أمن الحدود من أجل مكافحة الإرهاب. يوثق ميلر مع هالبر حرباً "أمن قراطية" ضد البشر لتنظيم العداءات بين من يملك ومن لا يملك حيث ينبع تعزيز الحدود من مراكز القوة المالية والسياسية. ويذكر اعتقاد كل من تحدث إليهم عبر جنوب المكسيك أن الولايات المتحدة تقف خلف العمليات البوليسية العسكرية.
يفصل كتاب إمبراطورية الحدود تركيب أنظمة أمن الحدود في كل قارة ويتحدث عن التاريخ المطول لفصل الأطفال عن ذويهم والشركات المتربحة والتوجه نحو أفريقيا والإطار المعاكس لنزع عسكرة الحدود و"حق العالم". وحق حرية التنقل بما في ذلك مغادرة المرء لوطنه وحرية العودة إليه.
يتحدث المؤلف عن الظروف المزرية في كثير من مخيمات اللجوء والتي تفتقر في كثير من الأوقات إلى دورات المياه ومياه الشرب والرعاية الصحية. وبالمقارنة يتحدث عن مقدرة الناس على تأسيس مجتمعات تعاونية وتضامنية تستند إلى إدارة الجموع لتوفير الاحتياجات الأساسية. ويمتلك ميلر أيضاً إحساساً حاذقاً بالمفارقة حيث يصف الأماكن المعقمة والصاخبة واللا معقولة للنخبة العالمية.
يوفر هذا الكتاب معلومات أساسية ومفصلية للحالة البشرية الراهنة على الحدود.
* ابراهيم عبد الله العلو