توضيح : حول تحديد تاريخ الاقتراع لانتخاب رئيس الجمهورية/ محمدن بن سيدي الملقب بدن

تناقلتْ وسائطُ التواصل الاجتماعي اليوم بشكل واسع شائعة إعلان اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات يوم السبت 22 يونيو 2024م موعدًا لتنظيم الانتخابات الرئاسية 2024م.

 

وقد شهد شاهدٌ من أهلها أن شائعة تحديد اللجنة الانتخابية اليوم لتاريخ الانتخابات الرئاسية 2024م ناشئة من نشر إحدى هيئات رقابة وتنظيم الصفقات العمومية المختصة ، طبقا لإجراءاتها المتبعة ، الخطة المتعلقة بإبرام الصفقات  الخاصة باللجنة الانتخابية لسنة 2024 م مرجِّحةً فيها واحداً من بين خمسة (15) عشر احتمالا يتيحُها القانون.

 

قلتُ : وفي الخطة ذاتها يبدو أنّ اللجنة الانتخابية قد رجحتْ كذلك في هذه الخطة احتمال إعداد اللائحة الانتخابية 2024 على أساس مراجعة استثنائية بدلا من إعدادها على أساس إحصاء إداري ذي طابع انتخابي شامل.والتكلفة المالية شاسعة بين الاحتماليْن وكلاهما جائز ..

 

وللتوضيح أقول إن اللجنة الانتخابية هي فعلا الهيأة المنظِّمة للانتخابات ولكنّها  تُدرك جيّدا أنْ ليس من صلاحياتها سنُّ القوانين المنظِّمة للانتخابات ولا تحديدُ أجل أيٍّ من الاستحقاقات الانتخابية، إذ يدخل ذلك حصراً في صميم صلاحيات السلطة التنفيذية ويتضمَّنه المرسوم القاضي باستدعاء هيئة الناخبين الذي يصدر عن رئيس الجمهورية بالنسبة للانتخابات الرئاسية (المادة 26 من الدستور) والاستفتاء و عن مجلس الوزراء بالنسبة للانتخابات التشريعية و الجهوية والبلدية ..وفي كلا الحالتيْن يُنشرُ هذا الاستدعاء في أجل ستين (60) يوما على الأقل قبل يوم الاقتراع .وكما ذكرنا في مناسبة سابقة فإن الدستور يحدد حيزًا زمانيا معينا يحصرُ في إطاره تنظيم الاقتراع لانتخاب الرئيس الجديد وهو "ثلاثون(30) يوما على الأقل و خمسة وأربعين (45) يوما على الأكثر قبل انقضاء مدة الرئاسة الجارية" أي من يوم الإثنين 17 يونيو 2024 م عند الساعة صفر إلى يوم الإثنين 1 يوليو 2024 عند منتَصف الليلِ أي فترة 15 يوماً فقط.و يمكن للمرسوم الرئاسي القاضي باستدعاء هيئة الناخبين أن يحدد أيَّ يوم ارتضاه من أيام الاسبوع في إطار الحيّز الزماني المذكور، إذ لا نصّ مُطلقا يُلزمه باختيار يوم السبت دون سواه من الأيام وإن كان يشفع ليوم السبت سابقةُ اختياره من قبلُ لتنظيم جميع الاقتراعات منذ بعض الوقت و تصريح  المشرّع باسم يومين بعده في الترتيب  هما يوم الاثنين الموالي ليوم الاقتراع كآخر أجل لمركزة النتائج على مستوى المقاطعات من قبل اللجنة الانتخابية و يوم الاربعاء الموالي للاقتراع كذلك كآخر أجل لاعلان المجْلس الدستوري النتائج النهائية للانتخابات في حال شوطٍ ثان (انظر المرسوم رقم 2012-278 الصادر بتاريخ 17 دجمبر  2012 القاضي بتطبيق الأمر القانوني رقم 91-027 الصادر بتاريخ 7 اكتوبر  1991 المعدل المتعلق بانتخاب رئيس الجمهورية).

 

هذا وللجنة الانتخابية كاملُ الصلاحية في تنظيم جميع الاستحقاقات من بدايتها إلى نهايتها بالتفصيل التالي : فهي  بالنسبة للاستفتاء على الدستور والانتخابات الرئاسية تقتصر على الاعلان المؤقت عن النتائج وتحيلها إلى المجلس الدستوري من أجل إصدار الإعلان النهائي بعد البتّ في الطعون المحتملة . أما بالنسبة للانتخابات التشريعية والجهوية والبلدية فهي تصدر الإعلان النهائي للنتائج التي هي قابلة للطعن لدى المجلس الدستوري بالنسبة لانتخاب النواب في الجمعية الوطنية ولدى المحكمة العليا بالنسبة لانتخاب المستشارين في المجالس الجهوية والبلدية.

 

 وأودُّ أن لا نبتعد كثيراً عن مجال الطعون الانتخابية حتى أبيّن أن في النصوص والتشريعية والتنظيمية المنظِّمة للانتخابات لبْساً مُخِلاًّ في مجال النزاعات الانتخابية رفعه أستاذُنا البروفسور أحمد سالم بن ببوط رحمه الله في مذكرة له مشهوره كتبها بتاريخ 28 نوفمبر 2013 وهو إذ ذاك أستاذ القانون الدستوري في جامعة انواكشوط والخبير القانونيّ المعتمد لدى اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات ، وهو عضوٌ سابقٌ في المجلس الدستوري .ويتعلق ذلك اللبس بموضوعيْن اثنيْن أحدهُما يعني طبيعةَ  الطعون التي يستقبلها قاضي الانتخابات والثاني يتعلق " باختصاص اللجنة الانتخابية بالبتّ في الدرجة الأولى في مجال النزاعات الانتخابية ".

جاء في المادة 22 من القانون النظامي رقم 027 - 2012 الصادر بتاريخ 12 ابريل 2012 المتعلق بإنشاء اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات المعدل:"بدون إخلال بصلاحيات المجلس الدستوري  تكون اللجنة الانتخابية مختصة  بالبت في الدرجة الأولى  في مجال النزاعات الانتخابية .

 

وعليه فإن النزاعات تقدم  للجنة الانتخابية طبقًا للبيانات التالية :

⁃ تكون قرارات هياكل اللجنة الانتخابية المحلية قابلة للطعن أمام لجنة الولاية الانتخابية ؛

⁃ تكون قرارات لجنة الولاية الانتخابية قابلة للطعن أمام اللجنة الانتخابية المركزية:

⁃ تكون قرارات اللجنة الانتخابية المركزية قابلة للطعن أمام المجلس الدستوري أو المحكمة العُليا حسب الحالة.

يجب أن يقدم الطاعن الطعون على مختلف مستويات اللجنة الانتخابية في أجل أقصاه 8 أيام اعتبارا من تسلُّم أو نشر القرار المَعيب ، ويجب على الهيئة المعنية اتخاذ قرارها في أجل أقصاهُ 8 أيام اعتبارا من تاريخ تعهّدها بالطعن.

إلاّ أنه بالنسبة لقرارات اللجنة الانتخابية المركزية ، في حالة الاستعجال ، أو ضرورة قُصوى ، يُمكن للطاعن أن يتقدم بطعنه مباشرةً أمام المجلس الدستوري أو المحكمة العليا حسب الحالة ".

بالنسبة للموضوع الأول يقول الأستاذ ببوط في هذه المذكرة "ويجب التنبيه إلى أن قاضي الانتخابات لا يستقبل سوى الطعون ذات المسوِّغات الجلية  الرامية إلى إلغاء الانتخابات وهذا ما يوصد الباب أمام تلك المتعلقة بإعادة احتساب الأصوات التي حصلت عليها كل لائحة (مترشح).وهكذا فإن الاجتهاد الفرنسي قد حسم هذا الموضوع بكل وضوح (انظر لجنة المجلس الدستوري بتاريخ 12 دجمبر 1958)،  ويبدو لنا أن هذا الحل ينطبق بجدارة على موريتانيا".

وبالنسبة للموضوع الثاني يقول كذلك في مذكرتهِ :"يجب التنبيه إلى أنه في مجال الانتخابات، فإن الفروع الجهوية والمحلية للجنة الوطنية المستقلة للانتخابات لا  تتخذ أي قرار يُمكن أن يُطعن فيه أمام اللجنة الانتخابية ، إنما لجنة التسيير وحدها هي التي يمكنها أن تعلن النتائج كما أن قاضي الانتخابات هو وحده المخول حق النظر في الطعون الموجهة ضد إعلان النتائج الصادر عن اللجنة الانتخابية.وفي هذا الإطار، فإنه على اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات أن تصادق على النتائج المحالة إليها من قبل الفروع الجهوية والمحلية للجنة الانتخابية وأن تعمد كلما اقتضت الضرورة ذلك إلى تدقيق احتساب الأصوات التي حصل عليها كل مترشح ".

وفي التطبيق الميداني مصداق ما قاله المرحوم ببُوط إذ أن مسارَ النتائج يبدأُ من مكتب التصويت حيثُ تُحالُ مباشرة إلى اللجنة الانتخابية المركزية وتمرّ مرورَ الكرامِ باللجنة المحلية على مستوى المقاطعة فقط لمجرد عملية مركزة النتائج على أساس المحاضر الورقية وذلك بحضور من شاء من ممثلي المترشحين . ويحضر هذه المركزة كذلك بالنسبة للاستفتاء و الانتخابات الرئاسية والتشريعية قاض منتدب عن المجلس الدستوري.فأي قرار إذن تتخذه الفروع الجهوية والمحلية للجنة الانتخابية في مسار النتائج ؟ بل إنني لا أستحضر قرارا لهذه الهيئات عبرَ مُختلف مراحل المسلسل الانتخابي برمته إلاّ ذلك الذي يتعلق باستقبال الترشحات وتزكيتها على مستوى مختلف الدوائر الانتخابية المعنية بالنسبة لانتخاب النواب في الجمعية الوطنية والمستشارين في المجالس الجهوية والمحلية.

هذا وعهدي باللجنة الانتخابية تستقبل التظلمات وتصحح الأخطاء المحتملة على أساس المحاضر الورقية التي توصلتْ بها بالفعل حتى إذا أعلنت النتائج المؤقتة أو النهائية توقفتْ تلقائيا عن ذلك بحجة أن الاعتراضات تصبح - اعتبارا من لحظة الإعلان - من صميم اختصاص قاضي الانتخابات.

هذا وأعودُ فأقول إن للهيئة المنظِّمة للانتخابات ( اللجنة الانتخابية) شركاء في العملية .نذكر مثلاً بأنه نظراً لخصوصيات الاستفتاء و الانتخابات الرئاسية، منح المشرع للمجلس الدستوري حق التدخل فيهما إلى جانب اللجنة الانتخابية فضلا عن صفته قاضياً للانتخابات بالنسبة لجميع الاستحقاقات باستثناء الانتخابات الجهوية والبلدية التي تُعتبر المحكمة العليا بالنسبة لها هي قاضي الانتخابات.

 
ونعود إلى انتخاب رئيس الجمهورية: تقول المادة 26 من الدستور " يستقبل المجلس الدستوري ملفاتِ الترشيح ويبتُّ في صحتها ويُعلنُ نتائج الانتخابات ". و تُردفُ المادة 15 من الأمر القانوني رقم 91-027 الصادر بتاريخ 7 اكتوبر  1991 المُعَدَّل المتعلق بانتخاب رئيس الجمهورية فتقول:" يسهر المجلس الدستوري على صحة العمليات الانتخابية ويُقرّ ويعلن النتائج  النهائية للاقتراع  التي تُنشر في أقرب الاجال في الجريدة الرسمية ".

هذا و هنالك دواعٍ موضوعية تقتضي التشاور الوثيق بين الهيئة المنظِّمة للانتخابات والحكومة في كل حلقة من حلقات المسلسل الانتخابي ..فعلى سبيل المثال لا الحصر للوزير المكلف بالخارجية بموجب القانون مسؤولية في إعداد اللائحة الانتخابية وتسهيل العمليات الانتخابية في الخارج و للخارج مقتضياته كما أنَّ النصوص التشريعية والتنظيمية تُسند إلى الوزير المكلف بالداخلية مسؤوليةَ تأمين الانتخابات وللأمن إكراهاتُه في حين يضطلع الوزير المكلف بالمالية بتمويل هذه العملية المعقدة وللوسائل المالية ترتيباتها الخاصة كما هو معلوم .

وبالمناسبة والشيء بالشيء يُذكر ، ذكرتني هذه الشائعة واقعة حصلتْ بالفعل للجنة الانتخابية منتصف سنة 2013 . فقد نشرتْ آنذاك - بعد إحجام طويل - بيانًا في الاعلام فاجأتْ به السلطات العليا في البلد بأنها تزمع تنظيم الانتخابات التشريعية والبلدية 2013 في حيّز زماني معين .. وأنا على يقين أن كل ما ذكرته آنفا من صلاحيات ومن ضرورات التشاور مع الجهات المعنية لم يعزب يومذاك عن ذهن لجنة التسيير الفتية ولكن ذلك التصرّف جاء على خلفية تنازع قوي بين اللجنة وبين وزارة الداخلية حول أيهما أحقُّ بتنظيم الاحصاء الاداري ذي الطابع الانتخابي وقد كسبتْ اللجنة تلك المعركة يؤمئذ على غير وجه حق  قانوني ولكنْ لعلّها لم تكسبْ الحرب !

 

حرر في انواكشوط بتاريخ 28 دجمبر 2023